ولد الطيب صالح عام 1929 في شمال السودان وعاش طفولته وفتوته فيه، ثم انتقل إلى الخرطوم وأكمل دراسته الجامعية فيها وحصل على بكالوريوس في العلوم، ثم انتقل إلى لندن وأكمل تحصيله العالي في الشؤون الدولية، ثم عمل في الإذاعة البريطانية وتحول فرأس قسم الدراما فيها، وعاد إلى السودان وعمل مديراً للإذاعة ثم طلب إليه أن يكون مديراً للإعلام أو وكيلاً للوزارة فأعتذر لأنه كان يرى المهمة شاقة وعاد إلى لندن .
تزوج الطيب صالح من امرأة إنجليزية قريبة من عالمنا العربي وقادرة على فهم مشاكله، وهي امرأة شديدة الحساسية والذكاء وتمثل التطلع الذهني للطيب في المرأة عامة، وانجب منها ثلاثة بنات . انتقل الطيب صالح إلى قطر وعمل فيها وكيلاً لوزارة الإعلام ومشرفاً عاماً على أجهزتها .
فالطيب صالح هو ابن التمازج الحضاري والعرقي العربي الأفريقي فى السودان .
وشمال السودان هي المادة التي يختار الطيب نماذجه الإنسانية منها وشخوص أعماله، هي الرجال والنساء والأطفال من هذا الجزء من التراب السوداني، وهم على أي حال لا يختلفون كثيراً عن نماذج بقية أجزاء السودان، الأرض والناس. .
والطيب صالح ربما يكون النموذج لفترة الاختمار التي أعقبت قرناً من التفاعل بين الموهبة العربية والثقافة الغربية وبالأخص التراث الانكلو – أمريكي في القصة والرواية .
والطيب صالح في جميع مؤلفاته، سواء من القصة الأولى التي كتبها " نخلة على الجداول " عام 1953 إلى رواية " عرس الزين " سنة 1962 والتي سميت مجموعته الأولى باسمها، يرتد بموهبته إلى المجتمع السوداني، يستمد من بيئته النماذج الإنسانية والحوادث الاجتماعية، ليعرض لنا أزمات الأفراد والمجتمعات وتقلب ضمائرهم وإيمانهم بعقائدهم الموروثة وتفسيرهم للتطور الطارئ على بيئتهم وموقفهم من الأحداث التي تمسهم ومساهمتهم بها، دون أن يغفل الإشارة إلى السؤال الغامض الذي يدور في نفوسهم – وهم ابسط الناس – عن معنى الحياة وغايتها، أن حياة الفرد ضرب من العبث إذا أخذناها بمعناها المجرد المطلق أما إذا أخذناها من نظرة قومية أو إنسانية اجتماعية فهذه الحياة نفسها إسهام فعال في تطور الأمة وفعاليتها .
يقدم الطيب صالح في كتاباته المجتمع العربي السوداني بلهجته الحلوة ويقدم اللعب السياسية التي مارستها العهود المختلفة التي طرأت على السودان والتقدم الاجتماعي التكتيكي الذي تم خلال ذلك وموقف الشعب فيه .
فمثلاً في قصته " نخلة على الجداول " نجد تاجراً من البرجوازية الوسطى يساوم فلاحاً على نخلة له اضطرته الظروف إلى بيعها . وخلال المساومة تتداعى إلى ذهن الفلاح ذكريات حية عن حياته التي ارتبطت بهذه النخلة والتي غدت رمزاً وعلماً عليها بحيث أن اضطراره إلى بيعها تسليم بهزيمته في معركته مع الحياة ص8 .
وتقع قصة " دومة ود حامد " في منتصف الطريق بين " نخلة على الجداول " وبين رواية " عرس الزين " فهي من تأليف عام 1965 وهي تعالج التعارض المزعوم بين التقاليد وبين التطور التكتيكي بأسلوب أخاذ يجمع التقرير الصحفي إلى الفكر النقدي في قالب أدبي متين ومشوق ص36 ص47-48 .
أن دومة ود حامد أصبحت رمزاً ليقظة الشعب . فهنا الطرفان على حق : الشعب الذي يرفض أن تمس معتقداته ومحق في الدفاع عنها والحكومة التي ترغب في التطوير محقة في فرض مشروعاتها ولو بالقوة . فما هو المخرج من هذه الحلقة المفرغة ؟ المخرج الوحيد هو توعية الشعب وتبصيره بحاجاته واقناعه بضرورة تغيير ظروفه ورفع مستوى حياته أو كما يعبر عنها الطيب صالح :-
" فقلت له : ومتى تقيمون طلمبة الماء والمشروع الزراعي ومحطة الباخرة " فاطرق برهة ثم أجابني : " حين ينام الناس فلا يرون الدومة في أحلامهم " فقلت له : " ومتى يكون هذا ؟ " فقال : " ذكرت لك أن ابني في البندر يدرس في مدرسة أنني لم ألحقه بها . ولكنه هرب يسعى إليها بنفسه .أنني ادعوا أن يبقى حيث هو فلا يعود . حين يخرج ابني من المدرسة ، ويكثر بيننا الفتيان الغرباء الروح ، فلعلنا حينئذ نقيم مكنة الماء والمشروع الزراعي . " لعل الباخرة حينئذ تقف عندنا تحت دومة ود حامد " .
ترى من خلال هذه السطور تلخيص لفلسفة سياسية كاملة وهي المدرسة البريطانية الليبرالية التي تزعم انه لا يمكن حرق المراحل والإسراع والتصنيع . وحين يبلغ الناس من الوعي حداً يشعرهم بالحاجة إلى شيء فانهم سيسعون إليه بأنفسهم كما سعى ابن الشيخ المتكلم إلى المدرسة بنفسه . وهذه النظرية قد تلائم بريطانيا التي حققت ثورتها الصناعية في القرن الثامن عشر واستعمرت البلدان المختلفة وحافظت على تخلف هذه البلدان إلى يوم استقلالها بدعوى أن الناس حين يريدون شيئاً يسعون إليه .
أن وظيفة الطلائع دائماً هي في إقناع الناس وتوعيتهم بحاجاتهم وفي الملائمة بين التطوير وبين التقاليد حتى لا يبدو أحدهما معاكساً للأخر أو قاطعاً له بشكل ينفر الناس . وحيث أن كاتبنا كاتب شديد الإخلاص لوطنه عميق المحبة لشعبه قد أدرك المنزلقات التي تعود إليها هذه النظرة تختم قصته بسخرية مأساوية
( فقلت له : " هل نظن أن الدومة ستقطع يوماً ؟ " فنظر إلى ملياً وكأنه يريد أن ينقل إلى خلال عينيه المتعبتين الباهتتين ما لا تقوى على نقله الكلمات : " لن تكون ثمة ضرورة لقطع الدومة ليس ثمة داع لإزالة الضريح . الأمر الذي فات على هؤلاء الناس جميعاً ، إن المكان يسع لكل هذه الأشياء ، يتسع للدومة والضريح ومكنة الماء ومحطة الباخرة ) .
وفي رواية" موسم الهجرة إلى الشمال " يعالج الطيب صالح مشكلة الصراع بين " الشرق والغرب " وكيف تواجه الشعوب الجديدة هذه المشكلة . كيف تعالجها وتتصرف فيها ؟ هل تترك هذه الشعوب ماضيها كله وتستسلم
للحضارة الغربية وتذوب فيها وتقلدها تقليداً كاملاً ؟ هل تعود هذه الشعوب إلى ماضيها وترفض الحضارة الغربية وتعطيها ظهرها وتنكرها إنكارا لا رجعة فيه ؟ أم هل تتخذ موقفاً ثالثاً يختلف عن الموقفين السابقين . وما هو هذا الموقف الجديد ؟ .
وهذه المشكلة كان قد تمت معالجتها من قبل عدد من كبار الكتاب العرب مثل توفيق الحكيم في روايته
" عصفور من الشر ق " ويحي حقي في " قنديل أم هاشم " وسهيل إدريس في " الحي اللاتيني " ولكن هذه المشكلة كما تناولها هؤلاء الكتاب لا ترتبط بتجربة مريرة مثل تلك التي يعبر عنها الطيب صالح ، ذلك أن الشرقي عنده هو شرقي أفريقي " اسود اللون " ومشكلة البشرة السوداء هذه تعطي التجربة الإنسانية عمقاً وعنفاً بل ومزيج من المرارة . أن الكتاب الآخرون كانوا من آسيا أو من شمال أفريقيا وهذا معناه أن مشكلة اللون لم تكن عندهم عنصراً من العناصر المشتركة في الصراع الكبير . ولكن الطيب صالح يصور هذه المشكلة ويعبر عنها من خلال إنسان أفريقي ذي بشرة سوداء ، يذهب إلى لندن ويصطدم بالحضارة الغربية اصطداماً عنيفاً مدوياً من نوع غريب . وعنصر اللون هنا له أهمية كبرى فالبشرة السوداء أكثر من غيرها هي التي انصب عليها غضب الغربيين وحقدهم المرير وهي التي تفنن الغرب في تجريحها إنسانيا قبل أن تجرح سياسياً واقتصادياً أو ثقافياً . إن الإنسان الأسود عاش قروناً من التعذيب والإهانة على يد الغرب وبالتالي تركت في النفس الأفريقية جروحاً لا تندمل بسهولة .
فمصطفى سعيد بطل الرواية ينتقل من قلب أفريقيا السوداء إلى لندن . والحوادث الرئيسية في الرواية تجري في أوائل هذا القرن حيث كانت أفريقيا تغوص في ظلم وظلام لا حد لهما . وبالرغم من ذلك فإن " موسم الهجرة إلى الشمال " لا تركز تركيزاً حاداً على مشكلة اللون بل على العكس نجد أن الكاتب يمس المشكلة من بعيد جداً لا نلتقي به إلا بين السطور ، ولكنه يفسر عنف الرواية حيث أن الجرح الإنساني الذي ينزف هو أعمق من أي جرح آخر فهو جرح الإنسان الأفريقي الأسود .
ويحدد الكاتب في هذه الرواية موقفه الحضاري المحدد والواضح فبطل الرواية سافر إلى لندن وهناك وصل إلى أعلى درجات العلم – دكتوراه في الاقتصاد – وثقافته شملت ألوانا من الأدب والفن والفلسفة وأصبح محاضراً في إحدى جامعات إنكلترا ومؤلفاً مرموقاً . ولكنه في حياته الخاصة ارتبط بعلاقات قوية مع أربعة فتيات إنجليزيات وانتهت جميع هذه العلاقات نهاية عنيفة وحادة مثل شخصية مصطفى سعيد نفسه وحدة مزاجه . فهذا الوافد من أفريقيا يتعثر في أزمات حادة ولا حل له في آخر الأمر إلا أن يعود إلى قرية في قلب السودان ثم يتزوج بنتاً من بنات القرية ويواصل حياته الجديدة بطريقة منتجة وهادئة ليست كالحياة التي عاشها في إنكلترا .
فالحل هنا بالنسبة للطيب صالح هو أن يعود بطله إلى أصله ومنبعه ليبدأ من جديد لتكون البداية صحيحة وسليمة . فهو لن يجد في لندن الطمأنينة مهما بلغ فيها من علم ومهما كون من علاقات نسائية أساسها تعلقاً جسدياً شهوانيا عنيفا . ولكنه حين يلقى وراء ظهره بقشور الثقافة الغربية وأبقي على جوهرها ثم مزجه بواقع بلاده ، هنا فقط سوف يصبح إنسانا فعالاً له دور حقيقي في الحياة . فالذين يتعالون على واقعهم الأصلي أو ينفصلون عنه لا يمكن لهم أبدا أن يؤثروا على هذا الواقع أو يغيروا فيه شيء، لان هذا الواقع سوف يرفض أي جسم غريب وشاذ .
فعلاقات مصطفى سعيد بالفتيات الأربع هي علاقة حسية قائمة على الاستقلال وليست علاقة حب حقيقية. فهو بالنسبة لهم مظهراً للقوة البدائية الوافدة من أفريقيا وليس إنسانا يستحق علاقة عاطفية كاملة بجوانبها الروحية والمادية ، فهو كائن غريب يحمل غموض الشرق وحيوان أفريقي تلهو وتستمتع به الفتيات .
وهذه العلاقات والقائمة على الاستغلال هي مثل العلاقات بين الاستعمار والبلاد المحتلة . فالاستعمار يستغل هذه البلدان ويستنزف بقسوة ثرواتها وإمكانياتها . فالمستعمر يتمسك بالأرض كما يتمسك العاشق بمعشوقته ولكنه في الحقيقة ليس عشقاً بل استغلال واستثمار للأرض والناس .
إن فتيات لندن كان يجدن في مصطفى سعيد صحة وقوة وغموض وإثارة لخيالهن حول أفريقيا ولذلك اقبلن عليه. ومصطفى سعيد نفسه كان مشحوناً من الداخل ضد أوروبا وضد التشويه التي تسببت فيه أوروبا لأفريقيا والأفريقيين ولذلك كانت نظرته لهن غير إنسانية واعتمدت فقط على الجانب الجسدي . ثم جاءت علاقته بجين موريس التي تزوجها . فقد ظل في البداية يطاردها وهي ترفضه رفضاً تاماً وأخيراً طلبت منه أن يتزوجها . وتعودت أن تثيره بشتى الأساليب العنيفة دون أن تسمح له بالاقتراب منها . فهي تشتهيه وتحتقره في نفس الوقت، تريده وتنكر أنها تريده، وظلت تعذبه بلا رحمة حتى هددها بالقتل، ولم تعبأ إلى أن جاء اليوم الذي قرر فيه بالفعل قتلها. وعندها استسلمت للقتل كما تستسلم لأي علاقة جسدية تريدها في جنون . وكانت هي تشتهي وتتمنى هذا القتل بصورته العنيفة لأنها كانت تجد في مصطفى سعيد مثالاً مجسداً للعنف الأفريقي فكانت هي أيضا مثل الأخريات نموذجاً للحب المريض الشاذ . وهكذا فشلت جميع علاقات مصطفى سعيد النسائية في أوروبا فشلاً إنسانيا وانتهت بالجريمة والسجن لان جميع هذه العلاقات كانت مجردة من أي معنى إنساني وتقوم فقط على الرغبة الجسدية .
وبالرغم من هذا الفشل في علاقاته النسائية بقي في حياة مصطفى سعيد حبان ناجحان : الحب الأول هو حب " إليزابيث "، وهو حب الأمومة، فقد كانت هذه السيدة الإنجليزية تعيش في القاهرة، مع زوجها المستشرق الذي تعلم اللغة العربية واعتنق الإسلام ومات ودفن في القاهرة التي أحبها وقضى أعظم سنوات عمره . فقد كانت إليزابيث بمثابة الأم الروحية لبطلنا . أحبته كجزء من حبها للشرق وفهمها له، وأحبته لأنها أحست بامتيازه وذكائه وصفاته الإنسانية الأخرى، ولم تفكر فيه أبدا على انه " لعبة أفريقية " مثيرة . ولذلك كان حباً ناجحاً بقي مشتعلاً حتى النهاية بالرغم من جوانب الأمومة فيه وذلك بسبب السن .
إن إليزابيث بعد أن عاشت في القاهرة مدة طويلة مع زوجها وتعلمت العربية وعاشرت الناس في الشرق وأحبتهم اكتشفت الجانب الإنساني في الشرق وليس الجانب الجسدي والمادي، ولذلك أحبت مصطفى سعيد دون مقابل وساعدته كلما احتاج للمساعدة، فكانت لذتها الكبرى في هذا الحب الصافي، ونظرت إلى مصطفى سعيد في ضوء رؤيتها للشرق كله .
أما الحب الثاني، وهو الحب الحقيقي والناجح، فكان بعد عودته إلى السودان وزواجه من " حسنة بنت محمود " والذي أنجب خلاله ولدين . وهنا نعود لموضوع الجنس عند الطيب صالح فهو ليس كما في علاقاته السابقة في لندن – الجنس للجنس – بل له دور في بناء الحياة ومبني على الاقتناع والمساواة والرغبة الصادقة في إقامة علاقة .
إنسانية صحيحة . وهنا هو محبوب ليس لما يمثله من رغبات جسدية شاذة بل لذكائه وعمق شخصيته وحبه للقرية وقدرته على العمل والإنتاج .
وفكرة إنجابه من زوجته السودانية ليس تعبيراً عن تعصب قومي بل لأنه يمثل معنى إنساني بالدرجة الأولى فهي الحب الوحيد الحقيقي . وبعد موت مصطفى سعيد رفضت حسنة بنت محمود أن تتزوج من ود الريس وهو عجوز سوداني من أبناء القرية وكانت تفضل الموت على هذا الزواج وذلك ناتج عن تذوقها عذوبة الحياة مع مصطفى سعيد – الأفريقي الذي صقلته الحضارة والتجربة . فقد وجدت فيه شيئاً جديداً فهو منها ولكنه غريب عنها وجديد عليها ولذلك أحبته بعد أن فتح عينيها إلى عالم أوسع وأعمق من عالمها البسيط . وفي هذا تشبه حسنة بنت محمود السودان في تطلعها إلى الجديد وان تخطو إلى الأمام دون أن تنتزع جذورها من الأرض.
كانت حسنة في الواقع تريد الزواج من شخصاً آخر وهو الروائي حيث انه كان الامتداد الوحيد المقبول لمصطفى سعيد فقد سافر إلى أوروبا وعاد إلى وطنه يحمل مشعلاً هادئاً وصادقاً ولهذا السبب جعله مصطفى سعيد وصياً على أولاده وثروته وزوجته وجميع أسراره .
وبعد أن فرض الزواج على حسنة من ود الريس العجوز، قتلته وقتلت نفسها. وبذلك تكون قد قتلت العادات القديمة التي تجعل من المرآة متاعاً عادياً وليست انسانة ذات عاطفة مستقلة. أنها قتلت رمزاً من رموز الماضي بتقاليده ونظرته الخاطئة إلى الحياة وسقطت هي شهيدة حرصها على ألا تتراجع عن العالم الجديد الجميل الذي خلقه لها مصطفى سعيد .
وهناك شبه بين جريمة مصطفى سعيد في لندن والتي قتل هو فيها الوجدان الأوربي المعقد والذي يعلن كراهيته واحتقاره لأفريقيا ثم يتمسك بها حتى لا تضيع. فقد قتل الوجدان الأوروبي باستبداده وعنفه ورغبته في السيطرة بحثا عن وجدان أوروبي جديد خال من التعقيد والمرض.
أما حسنة فقد قتلت الوجدان الأفريقي بتقاليده القديمة بحثا عن وجدان أفريقي جديد.
وأخيرا نلاحظ كيف مات بطل الرواية. لقد غرق في النهر دون أن تظهر جثته نهائيا. لقد اختار البطل أن يذوب في النيل وهو رمز الأرض والأصل وأفريقيا - رمز المنبع والبداية الصحيحة. لقد أراد مصطفى سعيد أن يتطهر من آثامه الفكرية والجسدية في هذا النهر لأنه مصدر الحياة.
القيم الفنية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال.
1- العبارات الجميلة - فهي تعتمد على لغة عربية وأناقة شاعرية غنية بالأضواء والظلال مليئة بالشحنات العاطفية. هناك استعانة بروح اللهجة العامية مع المحافظة على الصياغة الفصيحة البسيطة - حديث محجوب للراوي لحزنه على موت حسنة بنت محمود :
" يا للعجب، يا بنى أدم اصح لنفسك، عد لصوابك، أصبحت عاشقا أخر الزمن. جننت مثل ود الرايس. المدارس والتعليم رهفت قلبك، تبكى كالنساء، وأما والله عجايب. حب ومرض وبكاء، إنها لم تكن تساوى مليما، لولا الحياء ما كانت تستاهل الدفن، كنا نرميها في البحر، ونترك جثتها للصقور".
2- قدرة على الوصف - وصف القرية الأفريقية بما فيها من بشر وحيوانات ونباتات وليال مقمرة وليال مظلمة. يقول مثلا :-
" تحت هذه السماء الرحيمة الجميلة أحس أننا جميعا أخوة. الذي يسكر والذي يصلى والذي يسرق والذي يزنى والذي يقاتل والذي يقتل. الينبوع نفسه. ولا أحد يدرى ماذا يدور في خلد الإله. لعله لا يبالي. لعله ليس غاضبا. في ليلة مثل هذه تحس انك تستطيع أن ترقى إلى السماء على سلم من الحبال. هذه ارض الشعر والممكن وابنتي اسمها آمال. سنهدم وسنبني وسنخضع
الشمس ذاتها لإرادتنا وسنهزم الفقر بأي وسيلة. السواق الذي كان صامتا طوال اليوم قد ارتفعت عقيرته بالغناء
منقووول دينميت